الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

نسختك من رواية"طريق الزيت"...




لكل الاصدقاء..الاعزاء..والمهتمين


الذين يبحثون عن "طريق الزيت"..اقصد روايتى الاولى..

ستجدونها هنا:




وقالو عنها::


النيل والفرات:أولى روايات الكاتب والصحافي السعودي، تعكس نضجاً بالأفكار ووضوحاً بالأهداف، ومعرفة بالأسلوب. فالكاتب يعرف ما يريده ويعبّر عنه بكل جرأة وإصرار، ويدافع عنه بكل إخلاص.


يقول الروائي عن حكايته إنها "حكاية لأكثر من مرحلة، وأكثر من وقت، وأكثر من شخص"، وأنه كتبها "بكل أنواع التمرد على الكتابة ذاتها، بكل الثورة على القوالب واللغة وهوامشها". يريد بذلك تخطي كل القوالب الجاهزة والأشكال المعلّبة التي تعيق الولوج مباشرة إلى عمق المحرك الأساسي، وإلى اللّب الذي لا يمكن الوصول إليه دون كسر القيود المكبّلة، ودون التحرر من الخوف التقليدي، ودون الانفتاح بحرية على عالم الحقيقة.


ترتكز الرواية على "دراسة موّثقة عن اكتشاف النفط في الجزيرة العربية"، أضيف إليها الحس الروائي والرؤية السردية لقصص اجتماعية وحكايات منقولة شفهياً عبر الأجيال، تطال جميع مرافق الحياة وتأثيرات المفاهيم الاجتماعية السائدة فيها، لتخرج من المزيج عالماً خاصاً من التخيّل والأسطورة والحقيقة التاريخية والواقع الاجتماعي والديني، ممهورا بلغة الكاتب المتفلتة والحرّة والتي لا تريد أن تقع في أسر التقليد والموروث والعادي، ولا في أسر المكان ولا الزمان.


تفاصيل حياة أشخاص وتعقيد علاقاتهم المتشابكة في مجتمع قروي تحوّل بعد اكتشاف "الزيت" فيه أي النفط، إلى "جزء من خارطة الكون". "الشيخ" يدوّن في صفحاته: "ليس للزيت وجه واحد أو رمز واحد في تاريخنا، أهميته تتجاوز كونه مجرد زيت متلون وبأشكال عدة، أهميته تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسية، هو ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا".


ولكن "فيما كانت الحالة الصحية للشيخ تتدهور بشكل ملحوظ"، "كان "الإمام" يمر بلحظات ازدهار لسلطته المحلية والاجتماعية والمالية في الوقت نفسه". و"لأن لا أحد، وبوجه خاص النساء -لا أحد يملك شجاعة الاعتراض أو حتى التفكير في أمور العادات والتقاليد، تقاليد القرية العتيقة"، قرر "صارم" الشاب الذي كانت مهمته البحث عن المعلومات وتدوينها، أن "ذلك كله لن يتحدد إلا بعد نفض الكثير من الماضي والعبث من مزبلة الذاكرة الهشة، والانطلاق إلى قادم لا يرحم، خطير في كشفه لكل الظاهر والمستتر"، "لذا أكتب شيئاً من هذا الجنون كله أو بعضه، أمارس الرقص مع الحرف في مخيلتي وعلى الورق".


رواية مميزة تعبر عن رؤية جديدة شابة، تضخّ دماً جديداً في شرايين عالم الرواية العربية، ترفض التبعية والتقيّد والتزويير والنفاق، يخطّ الروائي فيها طريقا مختلفا عن السائد في رؤيته وأسلوبه وأطره، باتجاه التعبيرالصادق والمنطقي والجريء عن حقائق الحياة وبواطنها.


شكر لكم....

الأحد، 28 يونيو 2009

جريدة البيان الامارتية...تشرح لطريق الزيت وروايته...









2009-06-28 00:11:27 UAE



طريق الزيت


لم تتجه رواية «طريق الزيت» للكاتب ناصر صالح الصرامي نحو الآني والعبثي والبحث عن الفرد خارج الجماعة أو منفصلا عنها، ولكنها اتجهت بهم الأنا الفردي والجمعي معا، بحثا عن الفرد وعن الجماعة، تحققا في التاريخ ومتصالحا مع العصر، عبر تاريخ طويل من الصراع الدراماتيكي بين الأسطورة والواقع وبين الحلم والتحدي، بين التاريخ من جهة وبين المستقبل وأيهما يحكم الآخر، ويتغلب على الآخر في القرية.

لم يغب المؤلف في هذه الرواية أو لم يمت، كما يقول دعاة موت المؤلف، ولكنه كان حاضرا يبدو صارما أحيانا، وواعيا بتحديه ورؤيته دون مباشرة ودون غموض، مدركا، ما أدركه صارم، الذي يطل علينا منه، أن «نقل الأسطورة مقامرة أو مغامرة» الذي نقل لنا رواية الصحراء والزيت حيث «كل حبة رمل أشبه بالكلمة الغائبة، كلمات هي أشباه تتشكل لسطور غير مكتملة، مملة أو مائلة، في لعبة لا يجيد الالتصاق بها إلا مغامر فاشل أو مجنون متطلع إلى الدروشة»، ثم يستدرك قائلا: «لكنه زمن الكشف، زمن التحول والرؤية» هكذا كتب صارم دون أن يؤرخ كتابته، فهل يقصد تاريخنا أم تاريخ سلفنا!أم أنها كما يقول «مرحلة عبور للغد، لليوم، للحظة، مهما تكن التناقضات».. هكذا كتب الصرامي تاريخ طريق الزيت في هذه الرواية.
كان طريق الزيت طويلا، وخادعا كما تقول الرواية، فقد انتظرت القرية» رزقها من السماء من مطر السماء، لكن هاهو ـ كما ـ يشاع سيأتي من باطن الأرض، من كرم الأرض وجودها ورحمها» نعم أتى من الأرض حين آتى مكتشف أخرى وثان وثالث، وحين تجاوبنا مع ملاحظات الأخر في اكتشاف الذات.. دلالات ثقافية عديدة تحملها رواية الصرامي في تجسيدها لسيرة المكان وتقديم خارطته الخاصة وعلاقاته الداخلية وكيميائية حياته بتفاصيلها ونفاقها ومجاملتها، بهدوئها وصخبها، تأتي كأنها انسراب ذاكرة تصر على ملء كل الثقوب، جامعة بين الخيال الجامح والواقع التقليدي لتبرز أو تخفي ملامح ما، رواية أو قصة أو سرد منثور في أجزاء ومفاصل من قرية الزيت الكبرى وبعض حكمتها وعقوق أهلها في أرض مباركة، وفي زمن متداخل، ولكن رغم الخيال الجامح والواقع التقليدي لم تغب الدلالة المبطنة لنقد متجاوز لكثير من المعهودات الثقافية والسياسية، وحضور المؤلف الذكي والشفيف أضاف للرواية وأجزائها شوقا وعمقا وسفرا بعيدا، بدلا من فوضى الذاتية التي تضيع معها قيمة الذات ويموت المؤلف!
دلالات عميقة
تمتلئ «طريق الزيت» بالكثير من الدلالات العميقة التي لم تغادر الذي غدا عنوان الرواية طريقا للقرية وطريقا للتاريخ عبر أحداث روايته، التي خدعتنا حين صورت نفسها تنقيبا في أساطير التاريخ، لتوهمنا أنها تروي لنا تاريخا لم نعشه ولم نعرفه، حين تفاجؤنا أجزاؤها حين نجدها تتحدث ـ أحيانا كثيرة ـ عن تاريخ وأساطير نعيشها، إنها ليست سيرة المكان وأسطورته ولكنها حفريات الإنسان والمكان، حيث الزيت رابط رئيسي في نقل المكان والإنسان لطور جديد، ولكنه ليس الرابط الوحيد، فبعده رابط الوعي، الذي أدى إلى الزيت وما زال موجودا معه وبعده!

------------
المؤلف في سطور
ناصر الصرامي كاتب وإعلامي سعودي شغل مناصب إعلامية متعددة، يعمل حاليا مديرا للإعلام في محطة«العربية»، بدأ حياته الصحافية بالعمل في جريدة «الرياض» لمدة 15 عاما في بداية مبكرة عمل خلالها في مختلف أقسام التحرير بالجريدة، ثم أسس أول إدارة للإنترنت في الصحافة السعودية عام 1999 التي قامت بتطوير وتشغيل وإدارة المواقع الإلكترونية للجريدة، ثم تولى تأسيس وإدارة المكتب الإقليمي للجريدة بمنطقة الخليج منذ عام 2001.
انتقل في العام 2004 إلى الشركة السعودية للأبحاث والنشر، حيث أسس إدارة للنشر الالكتروني تولت تنفيذ كافة مواقع الشركة ومطبوعاتها على الشبكة العالمية، إضافة إلى تنفيذ عدد من المشاريع والدراسات الإعلامية المستقلة.كما أسس وعمل في أهم المواقع العربية الالكترونية، سبق أن اصدر الصرامي كتابا عن ثقافة مجتمع المعلومات وتحولاته العام2000، كما وان له مشاركات عدة في مؤتمرات ومعارض إقليمية ودولية ومساهمات في مجال نشر تقنية المعلومات.
الكتاب : طريق الزيت
تأليف : ناصر صالح الصرامي
الناشر : دار الجمل كولونيا ألمانيا 2009
الصفحات : 300 صفحة
القطع : المتوسط






الجمعة، 15 مايو 2009

...ورؤؤسها كالشياطين...!


...و رؤوسها كرؤوس الشياطين....

مقتطفات من " قرية الزيت".
أكثر الروايات الاسطورية، والتي يفضل أهل قريتنا ذكرها وتكرارها، كنوع من القصص الفذة والمتفردة، والتي لا تحدث إلا في قريتنا، وتمنحها جزء من قيمتها الأسطورية الخالدة والأبدية، وترددها الأجيال كما هو حال الأساطير التي يتعهد البشر بتناقلها على مر الزمن والتاريخ إيمانا وتصديقا لتفاصيلها الخارقة للخرافة ذاتها.تقول الرواية:


إن هذه الصخور المتحجرة اللينة، السائلة أطرافها بقايا لنباتات شيطانية، وأن هذه التكوينات التي تحمل الزيت في أحشائها هي فعل شيطاني أو أنها بقايا أعضاء لشياطين وبشر وحيونات لقت مصرعهم في حروب عظيمة قبل آلاف السنين، حولها القدر سخطا وغضبا إلى نباتات شيطانية، سجنها ومقرها ومستودعها هو باطن الأرض وجوفها المظلم.ويؤكد أصحاب هذه الرواية بحزم مطلق أن ما وجده السكان الأصليين ما هو إلا فعل سحر أصاب القرية،

في سنة طلت عجوز مريبة على القرية، قادمة من مكان مجهول.عرفت فيما بعد بسنة الساحرة- حيث يحدث أن تسمى سنوات وتعرف بظاهرة طبيعية أو حدث حربي بسبب قلة الأحداث الدائرة في تلك القرية، كسنة الغبار والقحط والمطر وسنة الطاعون، أو الحرب الأولى والثانية، لتصبح هذه التسميات فيما بعد علامات زمنية فارقة يتذكر بها أعمار الأشخاص والأماكن وتسلسل السنوات والأحداث الأقل شأنا.


و تروي الأسطورة هذا الحدث الممهور باسم سنة الساحرة وفعلها، أن عجوزا طاعنة في السن، أو طعنتها سنوات عمرها الثمانين، طعنات متتالية بعدد خصلات شعرها المختلط بين اللون الأبيض الغالب والرمادي النادر، قد مرت بالقرية قبل سنوات، لكن قواها تعبت وصحتها تردت، لتبقى لأيام ضيفا على القرية.


وفي الرواية التي يتناقلها الناس إلى اليوم، أن تلك العجوز لم تكن عادية، أشباهها وتجاعيدها المرسومة بعناية ولون عيناها وبشرتها، كما لا تدلّ شخصيتها الأسطورية المرسومة على أنها مجرد ضيف عابر مر دون قصد على هذه القرية، فقد كانت تأتي بأعمال غريبة، كما يروى أنها تختفي لساعات وساعات قبيل غروب الشمس لا أحد يمكن أن يراها أو يعرف مكانها أو مستقرها, ولا تعود إلا في ساعة متأخرة من الليل، وأحيانا يمتد غيابها إلى وقت مولد الشمس وشروقها.لم يكن أحد يعلم بالتحديد ما كانت تفعله هذه العجوز المسنة والمريضة، لكن اللغط بدا يظهر، وبدا أهل القرية يتسامرون ويتحدثون عن قصص عجيبة وغريبة حول هذه العجوز الغريبة الأطوار والهيئة.ولأسابيع،


وفي رواية لأشهر لم يكن أحد يعرف بالتحديد ما تفعل، الشيء الأكيد أنها كانت تقابلهم بعد غيابها المشبوه وهي في هيئة مرهقة ومتعبة ومنهكة وتتمتم بتعاويذ وكلمات عجيبة لم يسمعوها من قبل، ولم تخطر على بال أبناء القرية. كما بدأت تظهر منها رائحة غريبة ولزجة دبقة، يشمّها كل بيوت القرية وسكانها وما تمر به في طريقها، وتبقى الرائحة في الأفق لليوم التالي.


المطوع، الذي يجيد العلاج بالقرآن والأذكار لكل الأمراض، يتم استدعاءه يوميا للقراءة عليها، وحين يبدأ، تُردد أصواتاً عجيبة، وتصرخ بلاتوقف، يسمعها كل السكان، وقد يصل صراخها إلى القرى المجاورة والأودية السحيقة القريبة، ثم تنام في سلام، هكذا تقول إحدى الروايات،

إلا أن رواية أخرى تقول إنه وبعد أن يبدأ المطوع في ترتيله تصرخ صرخة أو صرختين وثلاث صرخات يسمعها كل سكان القرية، قبل أن تستسلم لنوم، نوم قد يستمر ليوم كامل، لا يعرف أحيانا إن كانت لا تزال على قيد الحياة..في صباح يوم غير متوقع، عرف سكان القرية أن العجوز غادرت، فقد لملمت ملابسها الرثة وغادرت، انتظرها الجميع حتى منتصف النهار لكنها لم تظهر، ثم مر وقت ولم تظهر، أدركوا أنها ذهبت إلى مكان ما، وقال آخرين إن كائنات حية غريبة وعملاقة أخذتها،

لا أحد يعرف تحديدا كيف اختفت، وكيف تقدر على السير أو الذهاب بعيدا، لكن في أعماقهم كانوا مدركين أن قواها الخارقة قادرة على نقلها مئات الكيلو مترات دون أن تخطوا خطوة واحدة.

فرائحتها النتنة واللزجة لازالت باقية، ويروى أن القرية ظلت تتحسس وجود تلك الرائحة لأيام وقيل لأسابيع.إلا أن إحساس عام ترسخ للجميع أن شيء ما يحدث في أجواء القرية الملوثة والغائمة، شيء أقرب إلى الوجوم، إلى الخيالات الغير مريحة.

مع خوف قابع ومجهول، يكفي أنه مجهول، في توقيته وزمنه، أو حتى خيالات حدوثه.هكذا اتفق الجميع، وهم في لحظة انتظار مجهولة لغائب مجهول، لا يعرف وقت ظهوره أو اختفائه، واحتمالات عودته.

فالرياح التى شهدتها القرية في الأيام الثلاثة التالية لاختفاء العجوز لم تكن عادية أبدا، فضوء القمر ظل محتجب خلف غبار معلق بين السماء والأرض في منتصف الشهر الهجري، في حادثة لم تكن عادية.


كان مشهد رهيب ومخيف لظاهرة لم يسبق أن مرت بها القرية في تاريخها.الخوف والتوجس بلغ ذروته في اليوم الرابع - حين ظهرت في الأطراف نباتات غريبة في هيئتها وحركتها، اعتقد البعض وأشاعوا أنها شيطانية، نباتات لم يسبق لأحد أن شاهد ما يشبهها، كان لها عروق وامتداد راسخ في باطن الأرض، ممتدة بلا بداية أو نهاية، بين السماء وباطن الأرض، ولزمن ليس بالقصير حذر الجميع من الاقتراب منها، ومن أن تصيبهم لعنة تلك العجوز الشمطاء.

ولعنة الشياطين. ورتلت التعاويذ في كل أنحاء القرية حماية من شر مستطير أو سوء مرتقب.

في اليوم الخامس حل سلام وهدوء مفاجئ على القرية، حيث عاد كل شيء إلى مكانه وانقشعت الغمة عن الأمة، وتلاشى الغبار، وشعر الناس بالطمأنينة، يبدو أن صلواتهم وتعاويذهم وأورادهم قد سمعت واستجيب لها.


لكن بقيت تلك النباتات المجهولة الهوية والرائحة والملمس ملقاة على الأرض بأشكال دائرية يتسع محيطها باستمرار وتقذف قطرات سائلة ولزجة في محيطها، بشكل مثير للريبة، لذا اقترح أحدهم أن يبنى سورا حول تلك النباتات حتى لا يصل إليها الأطفال، وضمانا لمنع تمددها ووصولها إلى داخل القرية، فيما اقترح آخر أن يتم حرقها،


لكن ولسبب غامض لم يتطوع أحد للتنفيذ.

لتبقى أشبه بلعنة تخيف القرية، وتجلب لها العداوات والأقدار السيئة، والمستقبل المشؤوم.

فرؤوسها كرؤوس الشياطين.

شيطان الجنون...





مقتطفات من رواية طريق الزيت:


في مجلس الشيخ الذي جمع عدد من سكان القرية وامامها واستاذها، واللذين لا يجتمعو عادة على هذا النحو الا لغرض مهم أو للبحث في طارئ أو شكوى، سئل أحد العائدين للقرية في زيارة قصيرة.-"هل يمكن أن تكون شخصية صارم وجنونه أو كما تعرفونه بالوحش الإنسان تشكلت هكذا دون مقدمات؟، دون أسباب نفسية؟ أو واقع طفولي مرير؟".


لم يجب أحد، في الحقيقة كان الجميع يترقب تعليق للشيخ. لكنه لم يجب.-"هل حاولتم فهم سر حكاية صارم؟"لم يجب أحد أيضا.-" ألم تفكروا بحاله هذا من قبل؟"- "كم هو مؤلم أن لا يتوقف الناس عن نعت إنسان آخر بالجنون" همس احد الجالسين بقرب الشيخ وعلى استحياء.رد آخر يجلس إلى جوار الإمام بصوت سمعه الجميع:-"هداه الله هذا المجنون، لا بد من الحجر عليه".التقط الإمام الحديث وقال بصوت مدوي:-"يتفق أهل القرية على أنه مجنون ودرويش يردد كلاماً عجيبا ومخيفا، لابد أن يوضع له حد حتى لا يتسرب إلى مسامع الأطفال والنساء، ويلوث فكرهم ويحرف إيمانهم، وحدهم الرجال قادرون على المواجهة، ليس كل الرجال ولكن علماء وطلاب العلم ممن منحهم الله الحصانة ضد الانحرافات الفكرية الطارئة على البشر."أضاف أحد السكان المعروفين:-"هو لا يرى القرية، لا يرى الناس، لا يرى سوى تراب وعالم تختفي وتظهر ألوانه، وأجسام تتحرك تتشابه في نحتها الخارجي، وتختلف في تفاصيل لا يمنحها الاهتمام أو هو لا يدقق في أبعادها بالشكل المعتاد.


انه مشوش لذا تأتي أفعاله وكلماته جارحة وحادة لكل من حوله، للبعض ممن حوله، ما يشعر بوجوده حوله، وما يمكن له أن يراه أو يستوعب وجوده".رد الزائر بطريقة هادئة تجسد حرصه على أن يفهم الآخرين مغزاه:" حالته يصورها البعض على أنها الجنون بعينه، ويعتبره القلّة رؤية خالصة لكل ما هو حقيقي فقط، بما فيها الناس والأجسام الحية.لكن الا يحيركم حين يمنح أشياء صغيرة جدا، وأشياء لا معنى لها في العادة لدى البقية، يمنحها اهتماما يفوق الوصف، يفوق اهتمامه بنفسه وأنفاسه.

قطة مريضة، أو فار أعمى لا يعرف إلى أين يتجه، أو نبتة صغيرة لم يبق فيها حياة، أو طفل متسخ وقذر يعدو إلى وجهة غير محددة، أو بائع متجول يحمل بضاعة متناقضة. أو علب فارغة ملقاة بإهمال متعمد على جوانب الطريق. أو حمار ضال، يزعج نهيقه، كل تلك الأشياء التي قد نرفض أو لا نحب أن نراها أو نشعر بوجودها في حياتنا على هذا النحو من الدقة، كما ما نسميها علامات الجنون، لكنه يعتبرها واقعا اكثر صدقا، اكثر قربا، الحقيقة".


رد الإمام بحزم وغضب:"ذلك وربي لهو الانفلات في أقصى عصيانه أو هي الحرية في معناها اللامتزن، في بركانها الثائر عكس المسلمات والحقيقة، عكس السائد، والأعراف، وعكس التعليم الإسلامية والمفاهيم الصافية، أنها فتنة علينا جميعا، وهي سبب للعقوبة والعياذ بالله، وأننى احذركم من التعاطف مع أصحاب الأفكار الضالة من زنادقة ونحوهم".


"لكن كيف فعل الجنون به، كيف أصابه الله أو ابتلاه بهذا العقل السقيم؟"سئل استاذ القرية.


"لكنه ليس مجنون تماما إنه حاضر وسريع البديهة، إلا أنه يحرك بديهته باتجاهات غير متوقعة، غير مسبوقة، إنه يفتعل الصدمات لنا بتلقائية، كما يصدمه واقع لم يقدر على استيعابه"- أجاب الشيخ الأزلي الذي لا يتحدث إلا قليلا وللبعض فقط، وفي أوقات يختارها أو يختبر فيها صبره. ليبقى وصف "الشيخ" معلق به للأبد.


"إذن هو ليس بمجنون كما يشاع، لكن ما يفعله ليس كما يفعل الإنسان في أوقاته، ومع الآخرين" قال الأستاذ.


"وماذا يفعل الإنسان؟، ماذا يفهم؟ ماذا يريد أن يكون، أو يتجاوب مع؟، قد يكون أكثر جنونا منا فقط هذا كل شيء".رد الأستاذ .

"إنه أقرب للشيطان في تحركاته من قربه إلى الله".

بنبرات حادة ومتواصلة-غير اعتيادية- رد الشيخ":"ما هو فعل الشيطان؟ هو لا يقتل، لا يرمي، لا يؤذي، لا يفعل شيئا على الإطلاق، بل لا يتحدث إلا مع من يتحدث معه، هل هذا ما تقصد؟، ثم ماذا تعرف أنت عن الشيطان؟"."لكنه يهيم ويهمهم، ويتجرأ على الآخرين، بما فيهم إمام المسجد؟"قال الشيخ برغبة لا تدعو إلا إلى شيء واحد، قطع دابر هذا الحوار، والتوقف عن الحديث:"دعه يهمهم، إن لم تفهم فالذنب ذنبك وليس للشيطان أو لله علاقة بالأمر".

ذهل الأستاذ من تعاطف الشيخ الذي عبر عنه بهذا النحو من الضيق والغضب،

إلا أنه انصرف يحدث نفسه عن هذا الجنون الذي يحل بالقرية.قاطعه الشيخ مستدركا حديثه السابق- خوفا من سوء فهم لمعناه:"لا أعجب إلا من هؤلاء الذين يستخفون بالله ويتحدثون بإعجاب عن الشيطان حتى وإن كان المعنى غائب،


كم هو تعيس هذا الإنسان الذي يختزل التجارب في الخير والشر، في الله والشيطان، في الحر والبرد، في ثنائية متكررة وبدائية حيث الأبيض والأسود؟"

وكمن يذكر نفسه أضاف:"صحيح أن بعض سلوك صارم يصعب على البعض فهمه او تبريره، كما أن كلماته قد تأتي مباشرة وجارحة وصعبة أحيانا علي البعض في وضوحها، إلا أن هذا ليس عذرا لهذا القذف المخيف، والتسطيح الجاهل للانسان وعقله، الذي اخلفه الله في ملكوته، الله القادر على فعل كل الأشياء في كل الأوقات، وفي لحظة، هي أقل من لمح البصر، لا بد أن نحب هذا الرب الغفور الرحيم أكبر ونقدره أكثر، ونرسخ إيمانا لا يتزحزح بعظمة وجوده وقدرته، هو قبل الإنسان، قبل كل المخلوقات التي نشعر بوجودها أو لا نشعر، التي نعلم بخلقها أو لا نعلم، قبل الإنسان وبعده، الله هو الأول، هو المناح للعقل والداعي للتفكر والتدبر ".


"لكن تلك الخيالات التى يطلقها صارم، ليست قصرا عليه، لكنه أحد القلائل القادرين على الانسجام مع ذاته والتعبير الصارخ بما يدور في ذهنيته،

ذهنيته التي لا يتورع سكان القرية عن نعتها بالذهنية المريضة، ولعل هذا ما يقصد بالجنون أو هو الجنون المقصود."اضاف الشيخ بهدؤ وبصوت خافت .غ

ادر الاستاذ، إلا أن الشيخ لم يشعر بمغادرته، فقد أعاد شريط حوار سابق له مع إمام مسجد القرية حول صارم، والجرأة التي يحملها دون حد، من أجل أن يشرح فكرة مبسطة أحيانا، أو صمته المطبق والحزين واسئلته العاصفة.


"أيها الشيخ الجليل إنك تبالغ في حماية هذا الوحش الإنسان، تبالغ في تركه هكذا دون رادع، ان القرية تمر أمام اختبار إلهي عظيم، قد يتسبب حنوه في عقوبة تحل وتكون سبب في دمارها ونهايتها، إذا ما استمر هذا المعتوه وامثاله في الجرأة على الجميع، وقلده البعض في هذا الاثم" قال الإمام.


"اسمه صارم، وأنت من يراه وحش، وانت من يخلق الوحش في خيالات الإنسان، لكن أجبني، من تقصد بالجميع الذين يتجرأ عليهم؟ "-سأل الشيخ، في واحد من حواراته القليلة مع الإمام."القرية، ومسجدها، وأطفالها ونسائها، عادتها وتقاليدها".

-وماذا عن رجالها؟- سئل الشيخ.

أجاب الإمام :-"الرجال أقوياء ومجربين ومنهم من عاش، أو زار قرى أخرى فيها من الفسق والفجور ما الله به عليم".

-"إذن لا أحد غيرهم ملزم بسماعه!" قال الشيخ.

رد الإمام "لكن نحن جميعا مسؤولون أمام الله والناس من هذا الرجم الخبيث، الذي لا يأتي به إلا عبدة الشيطان والعياذ بالله".-أجاب الشيخ "لقد بالغت كثيرا يا إمامنا، ان سماعه للموسيقى وتجوله بذلك الجهاز العجيب، لا يصل إلى الحد الذي تتصوره أو ترمي به خيالاتك، الموسيقى لها تاريخ طويل في حاضرتنا، ثم ان تحريك العقل حق لكل انسان بل هو اجب".قاطعه الإمام "ليس صحيح هذا الذي تقول، ولولا احترام كهول وعجائز القرية لك، لكن الحديث معك مختلف، لكن عليك أن تتقي الله فالموسيقى هي مزامير الشيطان وعباده فقط هم من يتلذذون بها، !!"


صمت الشيخ، وانكفأ على كتاب يقرأه دون اهتمام بما فيه، تنحنح الإمام وانصرف دون أن يؤدي التحية.التقت نظرات الإمام في طريق مغادرته بنظرات صارم التائهة، فقد كان صوت المذياع الصغير الذي يحمله يسبق خطواته، ويصل تدريجيا إلى مجلس الشيخ.


توجه صارم ليجلس دون مبالاة بالقرب من الشيخ الذي رمقه بنظرة عطف أو إعجاب، وتركه مع مذياعه، فيما يتابع تقليب صفحات ذلك الكتاب الذي تحولت أوراقه إلى الصفار الكلي.بعد صمت قليل قال صارم بصوت قادم من أعماق بقايا إنسان:

- "لماذا ينعتني الناس بالجنون، وأكثرهم لطفا يقول أيها الوحش، هل أنت .....؟"

أجاب الشيخ بحزن بالغ "يا ولدي، إنهم لا يدركون ما يقولوه، لكن دعك من هذا، وأبقى متداخلا مع ذاتك، كما أنت الآن وكما أنت دائما".


-لكن يا شيخ من الوحش ومن الإنسان؟، هل يمكن للإنسان أن يكون وحشا، ثم ماذا يحدث حين يصبح الوحش إنسانا، حين ما يلبس الحق بالباطل والباطل بالحق".

"لا عليك، الناس أحيانا كثيرة لا تفكر، إنما تكرر" قال الشيخ.


-"لكنني أفكر بالرحيل" أجاب فجأة."الرحيل؟ الرحيل إلى أين؟ لماذا هذه الفكرة، نريدك أن تبقى تشرق على هذه القرية، تنظفها، أنت الوحيد القادر على فعل التنظيف بهذه الدقة".

- "لكن كيف لمثلي أن يبقى، أن يفعل ما تقول إن كان الآخرون يرجمونني حاضرا وغائبا ويعيرونني بكل الألقاب وأقساها ما عرفت منها ومالم أعرف، يريدونني أن أكون صورة مطابقة لهم او لأبنائهم، إنهم غير مستعدين للتكيف مع شيء آخر غير التراب، والفقر، وحتى غير مستعدين لتجديد الفهم أو محاولة الفهم، أو حتى للإيمان بالله كما يجب، فهم الحياة والألوان كما هي، لا كما يتخيلونها ويتخيلون الأشياء"، علق صارم.


"بني هذا طريق طويل، الجهل يعيق أي تحول أو تغير، يعيق حركة الحياة برمتها، وليس حركتك وحسب، لكنك لا يمكن أن تستوعب الحياة والآخرين على هذا النحو من اليأس".


-"نعم ولكن هم من لا يريد".قال الشيخ "لا أحد يرغب في أن تظهر له أنه جاهل، هذا للأسف يتعارض والكرامة الإنسانية، وإرث الإباء والأجداد، حتى وإن كان الأباء والأجداد أكثر جهلا، وأقل فهما، وأضعف حكمة، وبلا تجربة وخبرة البتة".

-"لكن القرية تضيق، القرية لا تريد أن تتلقى العلم، لا تريد أن تفهم بشكل جيد وواعي ما يدور خارج حدودها، حتى الذين غادروا، ووصلوا إلى قرى أبعد، قرى في العالم الآخر، في الطرف الآخر من هذه الأرض، عادوا إلى القرية بعد سنوات، عادو بتخلف أكبر، بجهل أكبر، أو بفلسفة الجهل، وحماية التقاليد القديمة".

رد صارم بإحباط وصوته واهناً كأنه مريض.

قال الشيخ "لكن هناك نور، هناك آخرين كثر قد يكونوا أكثر إيمانا، أكثر ثقة بمستقبل القرية، صحيح أنهم صامتين لكنهم قادمين، متحفزين، على إدراك جيد للواقع والكون والحياة، وحتى العالم الخارجي الذي تشير إليه".-"لكنهم أكثر جبنا من أن يتحدثوا، أن يثيروا مستقبل القرية، ووضعها بين قرى صغيرة مجاورة، هم للأسف، أو نحن أقل فخرا بقريتنا، أقل انتماء لها، أقل ثقة في أنفسنا، مع أننا نملك كل شيء، نملك قرية رائعة، وأناس متعلمين، وحقول تصل بركاتها إلى كل القرى المجاورة"."لسنا مثاليين، لكننا بخير، ويمكن لنا أن نكون أفضل، الأفضل يابني، فقط نحتاج إلى بعض الوقت، والصبر هو سلاحنا الأزلي".


- ".. لكن.... لكن... لماذا ليس الآن؟، لماذا علينا أن ننتظر، هل ننتظر توجيه إلهي، أو متحدث باسمه، هل ننتظر لنعيش حياة طبيعية مثل الآخرين، الدين عزيز وله قيمة كبرى، ولكن لماذا الوصاية على كل شيء باسمه، نحن نحتاج في قريتنا إلى المزيد من التسامح في تفسيره، والاختلاف في ما بيننا، حتى الاختلاف على فهم الدين، الدين وتعاليمه ليست محصورة في الإمام وفيما يقوله ويحدث به، ويأمر الناس على فهمه واتباعه، الدين أكبر من قريتنا وإمامنا، إنه للكون للعالم، لماذا يحصرونه ويحاصرونه ويشوهونه؟".


اخذ نفسا عميقا قبل ان يضيف:"كلنا نبحث عن اللحظة المناسبة منذ زمن، قد يكون الانتظار طال بعض الوقت، لكن اللحظة قادمة، لحظة التجديد والاشتراك مع القرى الأخرى في قواسم الحب والاحترام والتفاهم، ليس لأننا نريدها فقط، بل لأننا نستحقها، ونحتاجها كثيرا جدا، لنتجاوز هذا الخوف من المستقبل، من الغد، حتى أصبح الغد احتمال آخر غير مرئي بالنسبة لنا".

رد صارم :-"لكن قريتنا لها تاريخ متناقض ورافض في أحيان كثيرة لكل ما هو قادم من الخارج، بالرغم من الفقر، وقلة العلم بما يقدمه الإنسان في هذا إلى كل قرى العالم، إلى البشرية لتسهيل حياتهم ولتطوير وسائلهم وأدواتهم، نحن لا نضيف إلا القليل مما وهبته لنا الأرض".


علق الشيخ على الفور: "لكنه رفض غير مقبول، وفي أحيان كثيرة يتم التراجع عنه والاعتراف بواقع جديد أو قوة وسيلة جديدة، لا يمكن للبشر تجاهلها".

- "لكن هذا الرفض هو ما يظهر هذه العقلية العاجزة عن الانطلاق والانفتاح على ما هو خارج حدود القرية، التي لا يتوفر بها إلا القليل من العلم والناس والحياة".

قال الشيخ "لعلك أكثر قسوة، أو أكثر صرامة".ابتسم صارم وأضاف:"لا تزال القرية تنمو وتتوسع، لا تزال تخطو باتجاه عالم قدر لها أن تبقى منفصلة عنه لقرون، لقد مر وقت من العزلة، وقت بلا تاريخ وبلا ملامح، وبلا تدوين، هنالك فراغ قاسي في بعض تاريخنا لا يدركه كثيرون، لا تدرك فترات طويلة غائبة منه، لكن القرية تحاول، الناس يحاولون الالتحاق بالعالم، حتى وإن كانت هذه المحاولات مترددة أو بطيئة أو غير مكتملة بعد".

- "نعم، لكن لا احد ينتظر، العالم لا ينتظر هذا العبث بالوقت والتاريخ وحياة أجيال قادمة"."إنك تعود إلى عنفوانك في الرؤية، في تتبع الواقع"!.

- "ليس عنفواني يا شيخنا، لكن أليست هذه القرية تنظر إلى كل شيء بعين الريبة؟، بما فيها لبسك لعقال يتوسد شماغك العربي الأبيض، بالرغم من اختيارك للون أبيض ناصع، هو لون عقالك كما لون قلبك الطاهر"."..كيف لنا أن نفترض ونواجه الناس بمتصوراتهم، ونقول هذا مقبول لكم، وهذا غير مقبول؟" عقب الشيخ.


- "لكن المشكل هنا ليس في التعبير، المشكل في إضافات جرعات وعي، في لغة الرفض التي قد تتبنى العنف وتختلق التشريع، نحن أمام مشكلة تاريخية لهذه القرية، أزمة فكر، وأزمة قبول للتنوع، كل التنوع الثقافي والاجتماعي، وحتى تنوع الفتوى ذاتها، فتوى الإمام هي الوحيدة المتاحة، والمفترض اتباعها، ومنهج الاستاذ هو المنهج الخالص في التعليم والتربية لكل أبناء القرية، مما يجعل حتى هذا النوع من الحوار نوعا من العبث؟".


قال الشيخ "لا توجد مشكلة دائمة، المشاكل مؤقتة، قد تنفجر وتحدث بعض الأضرار، أو تندثر مع الوقت وتتلاشى وتتحول إلى النسيان".- "قد تنفجر في وجوهنا قد نغيب، نتلاشى، ويفترسنا شيء لم ندرك وجوده، ان كنا نمارس الرفض والنكران لكل ما لا نعرف، أليست هذه أكبر مصائب الجهل والطيبة؟، هناك شيء يتربص بنا، لكننا لا ندرك، نختبر الوقت ونسمح له بالسيطرة علينا، ونمنحه كل القوة لعلاج الأشياء والاحتفاء بنا، وقتلنا دون أن نشعر. نعتقد أنه يداوينا، لكنه في الحقيقة لا يفعل، انه يسرقنا دون أن نشعر، يلهينا بأشياء أخرى، يفترس أرواحنا، إننا مصابون بداء الوقت، والانتظار، الانتظار لقادم لن يأتي أبدا، إن لم نتحرك باتجاهه، من هنا تولد سلبيتنا، بلادتنا، ويبدأ موتنا يسير خطوات تتسارع باتجاهنا، يختنقنا، يبقينا في مساحاتنا الضيقة حتى العفن" رد الصارم بكلمات تمزقه أو يمزقها.


"إنه الإنسان يابني، ليس معقد ولا سهل".قال الشيخ وملامح وجهه توحي بشيء ثقيل جدا من إرهاق الزمن.-"لكن الإنسان كائن متغير، هذا ما يجعله مختلف عن كل المخلوقات الأخرى التي نتمادى في إهمالها، ونعاقب أنفسنا بإهمالنا لأرواحنا، لنقترب من اللا إنسان حيث لاشيء يحركنا، أو يدعونا للتفكير والبحث" قال صارم.


"ليست التجربة مجرد حادثة عابرة".

- "إنها الحياة، الحياة بكل لحظاتها، بكل ما نلحظه وما قد نلحظه بعد فوات اللحظة.إنه الحدث الذي تلتقطه ذاكرتنا لتعيد ترتيبه أو تعيد فهمه بأكثر من صورة وأكثر من شك، هي تلك الجمل التي تخترق مسامعنا لكننا نكفر عنها بتجاهل مؤلم.مؤلم حين نعيد سماعها مجددا وكأنها قادمة من حياة أخرى"."قدرة الإنسان الفذة ليست في النسيان، لكنها في القدرة على التجاهل، تجاهل مالا يريد أن يسمع، أو يرى، أو يفهم، قدرته على ممارسة الجهل، حتى في تصوراته، لا بل حتى في حياته، في كل ما يتعلق به، بمسيرته في هذه الحياة".

موكب و حمار وغبار!!




أعلن الإمام عصرا لمن حضر صلاة الجماعة أنه سيذهب برفقة نفر يثق بهم لزيارة الأم المغدورة بعقوق ابنها ليقدم لها ما جادت به نفوس سكان القرية، بعد أن أكمل عملية الترتيبات واقترح على الأستاذ أن يكون ضيف الشرف بحكم علاقته القديمة بهذه الأسرة ،حين كان صارم أحد تلاميذه ،-قبل أن تتوتر العلاقة بسبب آراء صارم الحادة وجرأته على معارضة أفكار الأستاذ وأمام طلبته ونقده المستمر لإدارة المدرسة.


انتشر الخبر بسرعة كبيرة في أرجاء القرية ونوافذها، وأعد الإمام موكبا مكون من حمار واحد ضخم الجسم محمل بأكياس لم يعرف ما في داخلها، وحمل الأشخاص المرافقين أكياسا أخرى، في موكب مهيب، كان بعض المارة ينظرون إلى الموكب بمشاعر مختلفة ومتفاوتة، لكن الإمام كان يمشي بزهو وابتسامة، هي أقرب إلى ابتسامة قائد خرج لتوه من حرب يحمل غنائمها في قافلته المنصورة.صورة القرية عصر ذلك اليوم الشديد الحرارة، لا توحي بشيء على الإطلاق، لا مشاعر، ولا مظاهر يمكن أن توحي بنوع من التعبير، فقط ابتسامة إمام ، ومرافقين تبدو ملامحهم كأنهم، كتيبة حرب مصغرة أو حراس شخصين، ملامح تأخذها حماستها لتتفوق على كونهم متعاونين لعمل خير.

وطبعا صوت أقدام حمار تضرب على أرض ترابية ولتقذف بحصاة من هنا وهناك، لينطلق غبار كثيف يحف قافلة الإمام.صوت حركة اقدام الموكب يعم القرية،غيرها ،لا اصوات البتة،حتى الحمار كان صامتا أيضا، رأسه متدلي إلى أسفل، كأنه خجل من رؤية الناس أو من شيء ما، ويسير بدون تردد أو التفاتة، وكأن الحمار يعرف ماذا عليه أن يفعل، أن يتبع المشاة، أن يتبع حركات أقدامهم، التي تظهر له من الأسفل، وهي تنثر التربة بإهمال،الأطفال وحدهم كانو فرحين بالحركة، والركض حول الموكب ومداعبة الحمار ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.


حين وصل الموكب إلى مبتغاه، إلى المحطة المقصودة، تقدم الأستاذ ليدق على الباب، طرق مرة، مرتين، ثلاث، لم يجبه أحد، لتظهر عصبية الإمام قليلا، وهو يرى مزيد من التجمهر ولفت الانتباه للسكان، تنحنح، كح، كرر نفس الأداء، رفع صوته:"يا امة الله...".لم يجب أحد..أعاد الأستاذ، المحاولة، طرق الباب..خرج السكان المجاورين، تسمروا أمام أبواب منازلهم، أصبح المشهد عاما بالكامل، وصل التجمهر مداه، والبعض الآخر يطل من فتحات ونوافذ جدران منازلهم العلوية والسفلية، حتى الحمار رفع رأسه يراقب المشهد.كرر الأستاذ نفس الأداءطرق الباب، مرة، مرتين، ثلاث...صمت في كل المكان، وصمت فاصل ثقيل وبطيء، ترقب لأجواء تثقلها أنفاس المترقبين والمطلين برؤوسهم من كل الزوايا والأركان لمتابعة تفاصيل المشهد.فتح الباب، نصف الباب.

طل رأس، ظهر أنه جزء من رأس امرأة، أرهقها الزمن والأحداث، واللحظة الراهنة.

لم تقل أي شيء.بدء الإمام يتحدث، كما يفعل في كل مواعظه، نفس المقدمة ونفس الخاتمة، مع تغير أسطر معدودة في الوسط حسب الحاجة والموقف، مضي في حديثه:

"..... وأهل القرية جادوا مما منحهم الله الكريم، هاهي القرية تقف معك، والمؤمنون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، ويفرج بعضهم عن البعض الآخر....."استمر في الحديث قبل أن يدرك أن هناك صوت يتحدث إليه بحزم ووضوح وعلو وكبرياء، يحرق الكلمات أو يستحضرها بعزم:


"القرية يا إمام منذ خلقت وهي تفعل هذا وأكثر، من قبل أن تطل بأطراف قدميك الصغيرة والعارية عليها في يوم، لا يمكن أن يكون إلا يوم نحس.القرية أولا، أولا وقبل كل شىء، ولدت من أجل أن نولد فيها، وضعت قوانينها وأصولها بنفسها، وضعها أناس طيبين، انغمروا بالطين، وتلحفوا الرمل، وغرسوا أطرافهم في هذه الأرض، لتنبت من جديد حقول زيت وكبرياء، القرية يا إمامنا قبلنا جميعا، نحن من أتى بعدها، ونحن من يحاول تحريف القرية عن مسارها.

أنت لا تعلم ماذا أعد لي ابني قبل أن يهرب من جحيم أدخلته أنت فيه، لقد ترك لي ما احتاج لسنة أو تزيد!. لكنك- كما كنت وكما ستبقى- لا تعرف إلا ما يدور ويتكون في خيالك الأسود في جمجمتك الرطبة، إن كان في هذا الرأس شيء يستحق أن يذكر.

ما أحضرته لا حاجة لي فيه، لأنك أحضرته يا إمام، من لعنات ابني، من دعاء إلى ربك وحدك عليه بعظائم الأمور، كيف تتمادى في محرابك ومنبرك تجرح أم وتدمي جراحها، كم صلاة خصصتها لأبني، وجمعة ليس لك هم في خطبتك، خطبة جمعتنا التي كانت قبل أن تحرف قداستها ووظيفتها إلا ابني، ابنى الذي هجر بسببك، وسبب لعناتك وتحريضك، كيف تقطع أوصالي وقلبي، كل ليل ونهار، ثم تأتي الآن على رؤوس الأشهاد وكأنك المنقذ المخلص لعذابات الدنيا، أنت العذاب ومصدره، الجرم والجريمة، وذنب ابني وذنبي في رقبتك، إن بقي فيها مكانا، الذنب في رقبتك إلى يوم الدين.......".


أغلقت الباب بعنف، اهتزت له كل بيوت القرية، سحابة سوداء حلت فوق الجميع، صمت قاتل وثقيل، لم يوقف فاصله إلا نهيق الحمار، الذي شعر بالعطش من شدة الحر.انتبه الإمام وكأنه لازال قادم من عالم آخر، تطلع حوله سريعا، وجد كل العيون مركزة عليه، ارتبك قليلا، بلع ريقه، أعاد توجيه الموكب بالاتجاه الآخر، اتجاه العودة، اكتفي بترديد أذكار وأدعية، بصوت بالكاد يلتقطه من يمر بهم في طريق العودة.


لم ير أحد الأستاذ مع الوفد المرافق في طريق العودة، لم يلمحه احد، كان الإمام ومرافقيه المقربين والحمار حاملا تلك الأكياس السوداء التي لم يعرف ما حوت، كما لا يمكن التنبؤ بما تخفيه خلف هذا اللون الأسود القاتم.

في طريق العودة اتجهوا مباشرة إلى المسجد.....

حوار طريق الزيت .."ايلاف"


حوار طريق الزيت .."ايلاف"

ناصر الصرامي: مبيعات كتب عايض القرني تبرعات


لنترك الناس تكتب كما تريد، تبدع بطريقتها، وتقراء ما تريد،

وتختار الوانها المفضلة


ايلاف- الرياض:
قال ناصر الصرامي الذي اصدر باكورة اعماله الروائيه قبل ايام ان الكتب الدينيه لاتمر برقيب ولاتجد من يسئل عن ماتحوي على عكس الكتب الاخرى. واضاف ان روايته طريق الزيت هي تتبع لمرحلة عاشتها بلاده وانه لم يبتغي من الاشارات الدينيه الشهره او جذب الانظار الى روايته لافتا الى عمله في قناة العربيه كمدير لادارة الاعلام يغنيه يوفر له الشهره والصيت.


-دعنا نبدا من رواية طريق الزيت لماذا منعت الروايه من دخول معرض الكتاب ومن بعد سمح ببيعها؟.


-لم تمنع الرواية، وانما تأخرت في الوصول، الرواية خرجت من المطبعة قبل ايام فقط من انطلاق المعرض، وكان الناشر حريصا على ان يكون اول طرح لها في معرض الرياض الدولي للكتاب، وبالفعل هذا ما حدث.لم تمنع الرواية، بل من المهم الاشادة بالسقف المتقدم والتسامح والانفتاح الايجابي الذي وصل له معرض الرياض، حتى اصبح علامة ثقافية مستحقة في السعودية، بل ان كثيرا من دور النشر التى شاركت، وجدت ان معرض الرياض سيكون اهم معرض للكتاب في العالم العربي، متى ما استمر في تطوره الملحوظ، بل ان المبيعات التى حصدتها دور النشر، تعتبر قياسية مقارنة بالمعارض الاقليمية، احد الناشرين يقول"ان حجم المبيعات التى حققوها تعادل كل مبيعات المعارض العربية التى شاركو فيها"،


ماذا يعني هذا؟،


يعني ان هناك سقف جديد للطرح الثقافي السعودي وهناك استجابة وتعطش ظاهر من المثقفين والقراء في السعودية، وهنا سوق عربية كبيرة للنشر، فالسعوديون لم يعودوا بحاجة للسفر او التوصية من اجل ان يصلهم المنتج الثقافي السعودي وغيره من الخارج، انه العودة الى طبيعة الامور، فقد اصبحت خياراتهم تتجاوز الكتب التقليدية والكلاسيكية المتاحة فقط لعقود امام القارىء المحلي، وهو ما كان قد ساهم في العزوف عن الثقافة والفكر محليا.


-هل هناك نافذون استعنت بهم سهلوا من اجراءات دخول الروايه التي تحوي ربما مايخالف لوائح المعرض؟


-ولا نافذين ولا حاجة...المعرض هو من اتاح عناوين مهمة وجدلية، وسجل ارتقاء مهم بالحركة الثقافية في البلاد، وهو امر يجب ان يحسب لوزراة الاعلام ووكالة الشؤون الثقافية ونأمل ان يستمر هذا الانفتاح الثقافي المثمر من اجل التعددية الثقافية والفكرية والوعي والتسامح ونشر ثقافة الحوار وقبول الاخر التى يتبناه الملك عبدالله بن عبدالعزيز.ومواجهة الفكر المتطرف الذي قاد الى الارهاب والعنف بالفكر كما يؤكد مسئول الامن في البلاد وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز، بمعنى اننا امام واقع فكري محلي حديث وجاد.


-مالذي ارداده ناصر الصرامي من هذه الروايه؟


-"طريق الزيت" تجربة عشتها 24 شهرا او تزيد، كتبت بدايتها بالصدفة، واضفت خطوطا للرواية على مراحل مختلفة، كان مشروع كتابة، تدوين و خيال، كتابة مستمرة دون توقف، استفدت فيها من فترة "حرمان" من الكتابة الصحفية، لكنها فترة حرمان مفيدة ومثمرة اشكر كل من ساهم فيها!.طريق الزيت بدأ مع دراسة موثقة عن اكتشافات النفط في الجزيرة العربية، وتطورت باضافة حكايات اجتماعية، وتدوين لبعض الحكايات الشفهية، ثم مزج بفكرة الاسطورة الخيال لتكون رواية"طريق الزيت"، و اسم الرواية كان تحريفا جميلا.


-هناك من يرى ان هذه الروايه ماهي الامحاولة من الصرامي للعودة للاضواء الاعلاميه التي غادرها منذ زمن؟


-عملت في الاعلام منذ مرحلة الدراسة الثانوية، واعرف جيد ان الشهرة حالة طارئة بل وتفضح صاحبها ولها اوزارها ايضا، انا اعمل في اهم مؤسسة اعلامية عربية، مجموعة الام بي سي،، وتحديدا اعمل كمدير اعلام لقناة العربية الاخبارية، بمعني اني اعيش في الاضواء ومعها، كما اني اكتب زواية مستمرة في جريدة الجزيرة السعودية. ومشروع الرواية بالنسبة لى ليس للشهرة، ولكنه بشكل خالص اشباع لحاجة وتحدي شخصي بالدرجة الاولى والاخيرة، واعتقد اننى نجحت في انجازه واعتقد اننى في طور ادمانه.


- لاتوافق من يقول ان الاسقطات الدينيه التي ملئت الرواية ليست الا للبحث عن الشهره؟.


- الاسقاطات الدينية، هي جزء من التدوين الشفهي لتاريخ المكان، هل يجوز ان نقدم رواية فيها لمحات من التاريخ الاجتماعي دون اسقاطات دينية، الدين، شخوصه، ممثليه هم المؤثر الاول والاقوى في القرية ومسيرتها، لايمكن ان يتم السرد بدون الاشارة الى المؤثر الابرز.لايمكن ان نكتب عن رحلتنا مع مكان يسمى الوطن، وفي اطار زمني شهد تحولات مهمة وبالغة التعقيد دون ان نشرح ونشرح لاهم المؤثرات.


-في السنوات الاخيره اصبح روائيي السعوديه من كثرتهم كشعراء موريتانيا وفناني لبنان, ماهو سبب نزوح كتاب السعوديه للروايه؟.


-الرواية، الكتابة، النشر هي مجال ابداعي متاح في مجتمع لا تتوفر مساحات لممارسة وتعلم الفنون داخله، والكتابة هي المزاج الاقرب والمتاح والمباح، ثم اننا لو جمعنا ما كتبه السعوديون خلال عقد كامل فلن يتجاوز ما يصدر في مدينة صغيرة في امريكا او الصين او حتى الهند او اسبانيا خلا سنوات. لا توجد رواية او مقالة للجميع، لذا من المهم ان نعتاد توسيع الاختيارات، ونجعل روائيي السعودية اكثر من شعراء موريتانيا او فناني لبنان، اولنجعل عددهم يصل الى 10% من حصيلتنا المتوفرة من المفتين والدعاة ومدرسي الدين.ثم هل وجدت من يهاجم هذا الكم من شعراء الشعر الشعبي لدينا، طبعا لا، او قليل ونادر، لكن الرواية السعودية، الانتاج الثقافي المنفتح يخيف شريحة عريضة ومدارس قديمة، وبالتالي يحاولون تشويه وضع جديد لم يعتادوه، او لا يحبذو انفتاحه وانفتاحنا على هذا النحو وبعيدا عن الخصوصية السعودية المزعومة.


-بدات التاليف عام 2000 بكتاب تقني وعدت 2009 بكتاب روائي الايؤكد ذلك بان الروايه السعوديه اصبحت نوع من البرستيج البعيد عن المضمون؟.


- كتاب"الانترنت والمجتمع العالمي الجديد" لم يكن تقني بحت، كان يتحدث في تاثير التقنية على حياة الشعوب والاعمال برؤية كانت تقترب الى قراءة خيالات مستقبلية.اما البرستيج فهو في ارصدة البنوك والعقار والاسهم سابقا،، الرواية ومضمونها امر يجب ان نتركه للقاري الذي يرصد ويطالع النص.هو من يحاكم الرواية وشخوصها ولغتها.دعه يقراء ويحكم و لو بقسوة، لندع الناس تكتب، ولندع الناس تقراء وتقرر.


- هل تعتقد ان رواية"طريق الزيت" سيكون حال كاتبها كحال الروائيين السعوديين الجدد, حالة طارئة وفردية فتكون الاولى والاخيره؟.


- لا ابدا، على العكس هي مجرد بداية، الكتابة، كتابة الرواية وتكوينها ورسم خطوطها وشخوصها حالة ممتعة، اخشى اننى ادمنتها الان، وفعليا وحين كانت طريق الزيت في المطبعة بكتابة بدأت تدوين جديد لصفحات اولى لمشروع روائي قادم، بدأت لاستمر، واسأل الوقت العون.


- شوهد الداعية السعودي "عائض القرني" يسير في معرض الكتاب ويسخر من عدد مبيعات كتب الليبرالين، وعدد النسخ المطبوعة التى نفذت، فيما داعية اسلامي يبيع مئات الالاف، ولعله يشير الى كتابه الذي يشاع انه حقق مليون نسخة؟.


- انا كاتب سعودي ووطني، قد اتعلم الليبرالية، لكن طبعا اتفق مع عائض القرني، نحن جدد على الساحة و كتب كثيرة لم يسمح لها الا في العام الماضي، وبشكل اكبر العام الحالي، ثم انها متاحة مؤقتا خلال معرض الكتاب فقط في الغالب.كتب الدعاة كنت الوحيدة المرحب بها تسويقيا ودعائيا، و لها ارضية واسعة ودعم اكبر، والمساحة ظلت متاحة امامها، وامامها فقط لعقود، والمجتمع اسس على فكر وثقافة محدده او لنقل واحدة.ثم لا تنسى ان هناك متبرعين يشترون الاف الاف النسخ من كتب الدعاة ويوزعونها مجانا في المدارس والجامعات والمساجد وحتى صالونات الحلاقة كنوع من العمل الخيري، ويدخلها البعض في صدقاتهم.هل تعرف ان المطابع لدينا قد تتجاوز كل الانظمة وتطبع كتاب ديني الشكل والمظهر دون المرور بالقنوات الرسمية، وقد يوزع كذلك ايضا لانه عمل خيري، ولاننا في النهاية في مجتمع مسلم طيب، ولا يمكن لا حد ان يشك في نوايا الدعاة على اختلافهم والاعمال الخيرية الكلاسيكية لها رنين خاص.لذا فالمقارنة غير متوفرة، وابتسامة القرني هي ابتسامة استعراض قوة لتيار اسس له من عقود.- طالبت من يقراء الرواية ان لا يتوقف كثير بين الصفحات، وان يقلب الرواية ويقراءها بنوع من العبثية دون نظام؟


-فكرة كتابة الرواية، وفكرة التغير تعني ان نتجاوز بعض القيود التى قد تؤثر على مزاجيتنا، انا اصر على القاريء ان يختار طريقته في القراءة والمطالعة، يثق بعقله وقدرة ادراكه لربط الاحداث او الشخصيات، احرضه على تجاوز كل نمط تقليدي بليد يحجزه في اطار زمان او مكان او نظام، القارىء يجب ان يثور ليحدد بنفسه علاقته مع الكتاب، مع الرواية، بالنسبة لطريق الزيت، فهي تحوى اكثر من خط روائي لكنها تجتمع لتشكل الرواية والقصة، لذا اتمنى ان يتخلص الناس من عادات القراءة القديمة والتقليدية في تقليب الصفحات. وبالنسبة لى اعتقد ان أول وأهم قاعدة لقراءة الحكاية، لا قواعد تقليدية، أو بدقة أكثر لا قواعد.


-هل هذا جزء من عبثية الرواية، تفككها؟ام تقنية كتابة جديدة..؟


في الكتاب، في الرواية شىء اخر غير منهج الدارسين والباحثين، في صفحة قد تجد فكرتك، في مقطع قد تجد ذاتك، في فصل قد ترى ما حولك بنفس الطريقة التى فكرت بها، علاقة القاري مع الرواية مع الكتاب يحددها هو، وكل ما كانت علاقة مرنة كل ما اصبحت اقوى واقرب. اعتقد اننا مللنا من تقاليدنا واعرافنا القديمة في المطالعة و حتى الكتابة، لنترك الناس تكتب كما تريد، تبدع بطريقتها، وتقراء ما تريد، وتختار الوانها المفضلة حتى وان كانت ثائرة على الموضة والطيف العام.دعهم يتعودو على الاختيار.

حوار حول طريق الزيت في جريدة الشرق الاوسط





رواية ترتقي إلى تاريخ اجتماعي للمكان وتحولاته ..


ناصر الصرامي يتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن تجربته في «طريق الزيت»


الرياض: «الشرق الأوسط»يرى ناصر الصرامي مؤلف رواية «طريق الزيت» أن الرواية التي لفتت انتباه المثقفين السعوديين وغيرهم بعد أقل من شهر من صدورها وُلدت «مصادفة»، بدأت إرهاصاتها عبر قراءة دراسات علمية عن اكتشاف النفط، الذي غيّر وجه البلاد. رواية «طريق الزيت» صدرت عن دار الجمل، وتقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، وتتحدث عن قرية الزيت، حيث مجتمع قروي يشهد تحولات مثيرة مهمة، قبل وبعد أن تصبح القرية الكبيرة جزءا من خارطة العالم.الصرامي يرفض القول إنه استخدم الإيحاءات الجنسية كرافعة لإيصال روايته إلى المتلقي الباحث عن الممنوع، فهو لا يرى أن هناك إيحاءات بقدر ما فيها من قمع جنسي مقصود في بيئة مغلقة، وهو يسعى في روايته إلى تفكيك دور الدين كمحرك اجتماعي في بيئة تستجيب لهذا الدور وتتأثر به.


> إلى أي مدى ترى أن روايتك «طريق الزيت»، تمثل تعبيرا عن الواقع الاجتماعي السعودي؟
- رواية «طريق الزيت» هي تجربة ترتقي إلى كتابة تاريخ اجتماعي للمكان وتحولاته الطارئة والباقية. هي أقرب إلى رصد لقصص وحكايات اجتماعية ظلت شفهية لوقت، منها ما نُقل تواردا ومنها ما نُقل فرديا، وهى حكايات صيغت في حبكة رواية مضاف إليها رصد تحليلي لاكتشافات الزيت وخياله، حيث وظفت الأسطورة لخلق التمازج الدائم بين المكان والناس والوقت والأحداث وتضاريس الجغرافيا، فالزيت له حكايته وقصصه وخياله الذي لا يتوقف، وله تأثيراته الملهمة والملتهبة في آن واحد.الرواية قدمت لهذا الرصد في أسلوب يعانق الناس والحياة، الحياة التي مرت، والحياة الباقية بآثارها إلى الأبد، أو حتى الآن على الأقل.

> لم تستخدم الرواية كسابقاتها الإيحاءات الجنسية لكنها شكلت «عوالم» يتحرك داخلها الموضوع الجنسي.. أليس كذلك؟
- لا توجد إيحاءات جنسية في الرواية، غير أنه يوجد فيها قمع جنسي مقصود في بيئة مغلقة أو قُدر لها أن تكون كذلك، كذلك فإن الدين وعوالمه وإسقاطاته هي جزء أصيل منا ومن القرية، وهو المؤثر الأزلي في المكان، والمستغل له والموظف له أيضا، لذا لا يجوز أن تخرج رواية ترصد لهذا المكان دون أن تفكك هذا التأثير وتطرح الخط الديني كمؤثر قوي وفاعل في مجتمع القرية بكل التحريف والتوظيف الذي حدث ويحدث.

> ما الجديد الذي يميزها عن غيرها من الروايات السعودية؟- الجديد في التجربة: اللغة والحبكة، حيث إنني أعتقد أن في «طريق الزيت» توظيفا خاصا يجمع تشعبات موقعنا الجغرافي، والمؤثرات الكبرى فيه، الدين والزيت وبالتأكيد الناس الطيبين. في النص ارتباط بين خيال الصحراء وخيال المكتشفين الأوائل، وفي الرواية اتفاق، وهو اتفاق تحريضي بين مكونات مهمة، تم التطرق إليها كثيرا في الرصد التاريخي.. الجديد هو المزيج لتاريخ اجتماعي، ولتأثير الإمام والمسجد، وتحريف الدور التقليدي إلى دور تنظيمي شوه النوايا والاتجاهات البسيطة عن مسارها أو أنه أجاد استغلالها.
> أحدثت الرواية شيئا من الصخب، هل ترى أن ذلك قد يضرّ بها أم أنه سيخدمها في مرحلتها الأولى؟- أنا سعيد باستقبال الرواية على هذا النحو لدى المثقف والقارئ والمتابع، لم يمر إلا شهر على صدورها، ولم تصل إلى كثيرين بعد، لكن أعتقد أن الرواية شيء آخر غير المقالة، أو وجهة النظر الطارئة، لذا من العدل أن تأخذ وقتها من أجل أن يطالعها الناس المتلقون بفسحة وتحدٍّ للنص والتفاصيل وتأمل أكبر قبل وبعد هذه الضجة الإعلامية.ولا شك أن الحديث عن أي رواية سعودية، وحتى نقاشها وتشريحها أو تقديمها واستقبالها على هذا النحو أو غيره، أمر مُثرٍ للإنتاج السعودي الثقافي الذي يستحق أن يصل إلى الداخل أولا قبل الخارج، وأن يصبح هو المنبر الجديد لفكر سعودي مختلف أو مختلَف عليه، حيث الرواية السعودية تعيش مقدماتها الأولى، وما نراه اليوم ليس إلا بدايات أولى سنشهد الكثير في ميدانها، الكثير المتنوع والصاخب والمختلف والمثير مما يفتح آفاقا جديدة وعصرا جديدا للرواية السعودية.


> يشاع أنك كتبت الرواية بتكنيك مختلف، بمعنى أنك تدعو من يقرأ الرواية إلى تصفحها، والثورة على أسلوب القراءة التقليدي.. ماذا يعني ذلك؟- صحيح، أول ما قلته للأصدقاء بعد صدور الرواية هو أن لا يطالعوها دفعة واحده، أن لا يقلّبوها صفحة صفحة، الرواية خط متصل، لكن يمكن للقارئ أن يقطع هذا الخط ويلتقط منها ما يريد كل مرة.. ليس جيدا أن تكون علاقتنا بالأشياء بما فيها الكتب علاقة تقليدية، لتكن علاقة خاصة وإبداعية تقطع أوصال الملل والتقليد. في «طريق الزيت» لكل قارئ الحق في اختيار الصفحات التي يريد أن يقرأها ويعيد قراءتها، ومطالعتها وإعادة ترتيب الفواصل الزمنية لاكتشاف الزيت وتحولات القرية الاجتماعية، حيث إن التوثيق متداخل والتأثير أو العلاقة مستمرة.

> هل نجحت هذه الرواية في تقديمك لعالم الأدباء كروائي قادر على لفت الانتباه؟- دعني أقُل إنني كتبت رواية حقيقة عشتها لأكثر من سنتين. صحيح أنني كتبت رواية «طريق الزيت» بشكلها الذي شغل الناس الآن، غير أنني لم أكن أعمد إلى ذلك بقدر ما كانت هناك إرهاصات بأنني أكتب رواية بدأت مصادفة، وتشكلت مع الأيام رويدا رويدا حتى اكتمل الجنين الروائي عبر مراحل مختلفة. لقد كانت «طريق الزيت» حزمة من خيوط كتابية اشتملت على أصناف تدوينية وأخرى خيالية كانت نواتها دراسات موثقة عن اكتشافات عظيمة شهدتا منطقتنا، ألا وهي تنقيب البترول، ثم أخذت تتنامى مع الأيام حتى استوى عودها واشتد بإضافة بعض الحكايات الاجتماعية التي كنا نستمع إليها، فتحولت الفكرة إلى رواية خرجت إلى الناظرين، وهذا كل شي.