الجمعة، 15 مايو 2009

شيطان الجنون...





مقتطفات من رواية طريق الزيت:


في مجلس الشيخ الذي جمع عدد من سكان القرية وامامها واستاذها، واللذين لا يجتمعو عادة على هذا النحو الا لغرض مهم أو للبحث في طارئ أو شكوى، سئل أحد العائدين للقرية في زيارة قصيرة.-"هل يمكن أن تكون شخصية صارم وجنونه أو كما تعرفونه بالوحش الإنسان تشكلت هكذا دون مقدمات؟، دون أسباب نفسية؟ أو واقع طفولي مرير؟".


لم يجب أحد، في الحقيقة كان الجميع يترقب تعليق للشيخ. لكنه لم يجب.-"هل حاولتم فهم سر حكاية صارم؟"لم يجب أحد أيضا.-" ألم تفكروا بحاله هذا من قبل؟"- "كم هو مؤلم أن لا يتوقف الناس عن نعت إنسان آخر بالجنون" همس احد الجالسين بقرب الشيخ وعلى استحياء.رد آخر يجلس إلى جوار الإمام بصوت سمعه الجميع:-"هداه الله هذا المجنون، لا بد من الحجر عليه".التقط الإمام الحديث وقال بصوت مدوي:-"يتفق أهل القرية على أنه مجنون ودرويش يردد كلاماً عجيبا ومخيفا، لابد أن يوضع له حد حتى لا يتسرب إلى مسامع الأطفال والنساء، ويلوث فكرهم ويحرف إيمانهم، وحدهم الرجال قادرون على المواجهة، ليس كل الرجال ولكن علماء وطلاب العلم ممن منحهم الله الحصانة ضد الانحرافات الفكرية الطارئة على البشر."أضاف أحد السكان المعروفين:-"هو لا يرى القرية، لا يرى الناس، لا يرى سوى تراب وعالم تختفي وتظهر ألوانه، وأجسام تتحرك تتشابه في نحتها الخارجي، وتختلف في تفاصيل لا يمنحها الاهتمام أو هو لا يدقق في أبعادها بالشكل المعتاد.


انه مشوش لذا تأتي أفعاله وكلماته جارحة وحادة لكل من حوله، للبعض ممن حوله، ما يشعر بوجوده حوله، وما يمكن له أن يراه أو يستوعب وجوده".رد الزائر بطريقة هادئة تجسد حرصه على أن يفهم الآخرين مغزاه:" حالته يصورها البعض على أنها الجنون بعينه، ويعتبره القلّة رؤية خالصة لكل ما هو حقيقي فقط، بما فيها الناس والأجسام الحية.لكن الا يحيركم حين يمنح أشياء صغيرة جدا، وأشياء لا معنى لها في العادة لدى البقية، يمنحها اهتماما يفوق الوصف، يفوق اهتمامه بنفسه وأنفاسه.

قطة مريضة، أو فار أعمى لا يعرف إلى أين يتجه، أو نبتة صغيرة لم يبق فيها حياة، أو طفل متسخ وقذر يعدو إلى وجهة غير محددة، أو بائع متجول يحمل بضاعة متناقضة. أو علب فارغة ملقاة بإهمال متعمد على جوانب الطريق. أو حمار ضال، يزعج نهيقه، كل تلك الأشياء التي قد نرفض أو لا نحب أن نراها أو نشعر بوجودها في حياتنا على هذا النحو من الدقة، كما ما نسميها علامات الجنون، لكنه يعتبرها واقعا اكثر صدقا، اكثر قربا، الحقيقة".


رد الإمام بحزم وغضب:"ذلك وربي لهو الانفلات في أقصى عصيانه أو هي الحرية في معناها اللامتزن، في بركانها الثائر عكس المسلمات والحقيقة، عكس السائد، والأعراف، وعكس التعليم الإسلامية والمفاهيم الصافية، أنها فتنة علينا جميعا، وهي سبب للعقوبة والعياذ بالله، وأننى احذركم من التعاطف مع أصحاب الأفكار الضالة من زنادقة ونحوهم".


"لكن كيف فعل الجنون به، كيف أصابه الله أو ابتلاه بهذا العقل السقيم؟"سئل استاذ القرية.


"لكنه ليس مجنون تماما إنه حاضر وسريع البديهة، إلا أنه يحرك بديهته باتجاهات غير متوقعة، غير مسبوقة، إنه يفتعل الصدمات لنا بتلقائية، كما يصدمه واقع لم يقدر على استيعابه"- أجاب الشيخ الأزلي الذي لا يتحدث إلا قليلا وللبعض فقط، وفي أوقات يختارها أو يختبر فيها صبره. ليبقى وصف "الشيخ" معلق به للأبد.


"إذن هو ليس بمجنون كما يشاع، لكن ما يفعله ليس كما يفعل الإنسان في أوقاته، ومع الآخرين" قال الأستاذ.


"وماذا يفعل الإنسان؟، ماذا يفهم؟ ماذا يريد أن يكون، أو يتجاوب مع؟، قد يكون أكثر جنونا منا فقط هذا كل شيء".رد الأستاذ .

"إنه أقرب للشيطان في تحركاته من قربه إلى الله".

بنبرات حادة ومتواصلة-غير اعتيادية- رد الشيخ":"ما هو فعل الشيطان؟ هو لا يقتل، لا يرمي، لا يؤذي، لا يفعل شيئا على الإطلاق، بل لا يتحدث إلا مع من يتحدث معه، هل هذا ما تقصد؟، ثم ماذا تعرف أنت عن الشيطان؟"."لكنه يهيم ويهمهم، ويتجرأ على الآخرين، بما فيهم إمام المسجد؟"قال الشيخ برغبة لا تدعو إلا إلى شيء واحد، قطع دابر هذا الحوار، والتوقف عن الحديث:"دعه يهمهم، إن لم تفهم فالذنب ذنبك وليس للشيطان أو لله علاقة بالأمر".

ذهل الأستاذ من تعاطف الشيخ الذي عبر عنه بهذا النحو من الضيق والغضب،

إلا أنه انصرف يحدث نفسه عن هذا الجنون الذي يحل بالقرية.قاطعه الشيخ مستدركا حديثه السابق- خوفا من سوء فهم لمعناه:"لا أعجب إلا من هؤلاء الذين يستخفون بالله ويتحدثون بإعجاب عن الشيطان حتى وإن كان المعنى غائب،


كم هو تعيس هذا الإنسان الذي يختزل التجارب في الخير والشر، في الله والشيطان، في الحر والبرد، في ثنائية متكررة وبدائية حيث الأبيض والأسود؟"

وكمن يذكر نفسه أضاف:"صحيح أن بعض سلوك صارم يصعب على البعض فهمه او تبريره، كما أن كلماته قد تأتي مباشرة وجارحة وصعبة أحيانا علي البعض في وضوحها، إلا أن هذا ليس عذرا لهذا القذف المخيف، والتسطيح الجاهل للانسان وعقله، الذي اخلفه الله في ملكوته، الله القادر على فعل كل الأشياء في كل الأوقات، وفي لحظة، هي أقل من لمح البصر، لا بد أن نحب هذا الرب الغفور الرحيم أكبر ونقدره أكثر، ونرسخ إيمانا لا يتزحزح بعظمة وجوده وقدرته، هو قبل الإنسان، قبل كل المخلوقات التي نشعر بوجودها أو لا نشعر، التي نعلم بخلقها أو لا نعلم، قبل الإنسان وبعده، الله هو الأول، هو المناح للعقل والداعي للتفكر والتدبر ".


"لكن تلك الخيالات التى يطلقها صارم، ليست قصرا عليه، لكنه أحد القلائل القادرين على الانسجام مع ذاته والتعبير الصارخ بما يدور في ذهنيته،

ذهنيته التي لا يتورع سكان القرية عن نعتها بالذهنية المريضة، ولعل هذا ما يقصد بالجنون أو هو الجنون المقصود."اضاف الشيخ بهدؤ وبصوت خافت .غ

ادر الاستاذ، إلا أن الشيخ لم يشعر بمغادرته، فقد أعاد شريط حوار سابق له مع إمام مسجد القرية حول صارم، والجرأة التي يحملها دون حد، من أجل أن يشرح فكرة مبسطة أحيانا، أو صمته المطبق والحزين واسئلته العاصفة.


"أيها الشيخ الجليل إنك تبالغ في حماية هذا الوحش الإنسان، تبالغ في تركه هكذا دون رادع، ان القرية تمر أمام اختبار إلهي عظيم، قد يتسبب حنوه في عقوبة تحل وتكون سبب في دمارها ونهايتها، إذا ما استمر هذا المعتوه وامثاله في الجرأة على الجميع، وقلده البعض في هذا الاثم" قال الإمام.


"اسمه صارم، وأنت من يراه وحش، وانت من يخلق الوحش في خيالات الإنسان، لكن أجبني، من تقصد بالجميع الذين يتجرأ عليهم؟ "-سأل الشيخ، في واحد من حواراته القليلة مع الإمام."القرية، ومسجدها، وأطفالها ونسائها، عادتها وتقاليدها".

-وماذا عن رجالها؟- سئل الشيخ.

أجاب الإمام :-"الرجال أقوياء ومجربين ومنهم من عاش، أو زار قرى أخرى فيها من الفسق والفجور ما الله به عليم".

-"إذن لا أحد غيرهم ملزم بسماعه!" قال الشيخ.

رد الإمام "لكن نحن جميعا مسؤولون أمام الله والناس من هذا الرجم الخبيث، الذي لا يأتي به إلا عبدة الشيطان والعياذ بالله".-أجاب الشيخ "لقد بالغت كثيرا يا إمامنا، ان سماعه للموسيقى وتجوله بذلك الجهاز العجيب، لا يصل إلى الحد الذي تتصوره أو ترمي به خيالاتك، الموسيقى لها تاريخ طويل في حاضرتنا، ثم ان تحريك العقل حق لكل انسان بل هو اجب".قاطعه الإمام "ليس صحيح هذا الذي تقول، ولولا احترام كهول وعجائز القرية لك، لكن الحديث معك مختلف، لكن عليك أن تتقي الله فالموسيقى هي مزامير الشيطان وعباده فقط هم من يتلذذون بها، !!"


صمت الشيخ، وانكفأ على كتاب يقرأه دون اهتمام بما فيه، تنحنح الإمام وانصرف دون أن يؤدي التحية.التقت نظرات الإمام في طريق مغادرته بنظرات صارم التائهة، فقد كان صوت المذياع الصغير الذي يحمله يسبق خطواته، ويصل تدريجيا إلى مجلس الشيخ.


توجه صارم ليجلس دون مبالاة بالقرب من الشيخ الذي رمقه بنظرة عطف أو إعجاب، وتركه مع مذياعه، فيما يتابع تقليب صفحات ذلك الكتاب الذي تحولت أوراقه إلى الصفار الكلي.بعد صمت قليل قال صارم بصوت قادم من أعماق بقايا إنسان:

- "لماذا ينعتني الناس بالجنون، وأكثرهم لطفا يقول أيها الوحش، هل أنت .....؟"

أجاب الشيخ بحزن بالغ "يا ولدي، إنهم لا يدركون ما يقولوه، لكن دعك من هذا، وأبقى متداخلا مع ذاتك، كما أنت الآن وكما أنت دائما".


-لكن يا شيخ من الوحش ومن الإنسان؟، هل يمكن للإنسان أن يكون وحشا، ثم ماذا يحدث حين يصبح الوحش إنسانا، حين ما يلبس الحق بالباطل والباطل بالحق".

"لا عليك، الناس أحيانا كثيرة لا تفكر، إنما تكرر" قال الشيخ.


-"لكنني أفكر بالرحيل" أجاب فجأة."الرحيل؟ الرحيل إلى أين؟ لماذا هذه الفكرة، نريدك أن تبقى تشرق على هذه القرية، تنظفها، أنت الوحيد القادر على فعل التنظيف بهذه الدقة".

- "لكن كيف لمثلي أن يبقى، أن يفعل ما تقول إن كان الآخرون يرجمونني حاضرا وغائبا ويعيرونني بكل الألقاب وأقساها ما عرفت منها ومالم أعرف، يريدونني أن أكون صورة مطابقة لهم او لأبنائهم، إنهم غير مستعدين للتكيف مع شيء آخر غير التراب، والفقر، وحتى غير مستعدين لتجديد الفهم أو محاولة الفهم، أو حتى للإيمان بالله كما يجب، فهم الحياة والألوان كما هي، لا كما يتخيلونها ويتخيلون الأشياء"، علق صارم.


"بني هذا طريق طويل، الجهل يعيق أي تحول أو تغير، يعيق حركة الحياة برمتها، وليس حركتك وحسب، لكنك لا يمكن أن تستوعب الحياة والآخرين على هذا النحو من اليأس".


-"نعم ولكن هم من لا يريد".قال الشيخ "لا أحد يرغب في أن تظهر له أنه جاهل، هذا للأسف يتعارض والكرامة الإنسانية، وإرث الإباء والأجداد، حتى وإن كان الأباء والأجداد أكثر جهلا، وأقل فهما، وأضعف حكمة، وبلا تجربة وخبرة البتة".

-"لكن القرية تضيق، القرية لا تريد أن تتلقى العلم، لا تريد أن تفهم بشكل جيد وواعي ما يدور خارج حدودها، حتى الذين غادروا، ووصلوا إلى قرى أبعد، قرى في العالم الآخر، في الطرف الآخر من هذه الأرض، عادوا إلى القرية بعد سنوات، عادو بتخلف أكبر، بجهل أكبر، أو بفلسفة الجهل، وحماية التقاليد القديمة".

رد صارم بإحباط وصوته واهناً كأنه مريض.

قال الشيخ "لكن هناك نور، هناك آخرين كثر قد يكونوا أكثر إيمانا، أكثر ثقة بمستقبل القرية، صحيح أنهم صامتين لكنهم قادمين، متحفزين، على إدراك جيد للواقع والكون والحياة، وحتى العالم الخارجي الذي تشير إليه".-"لكنهم أكثر جبنا من أن يتحدثوا، أن يثيروا مستقبل القرية، ووضعها بين قرى صغيرة مجاورة، هم للأسف، أو نحن أقل فخرا بقريتنا، أقل انتماء لها، أقل ثقة في أنفسنا، مع أننا نملك كل شيء، نملك قرية رائعة، وأناس متعلمين، وحقول تصل بركاتها إلى كل القرى المجاورة"."لسنا مثاليين، لكننا بخير، ويمكن لنا أن نكون أفضل، الأفضل يابني، فقط نحتاج إلى بعض الوقت، والصبر هو سلاحنا الأزلي".


- ".. لكن.... لكن... لماذا ليس الآن؟، لماذا علينا أن ننتظر، هل ننتظر توجيه إلهي، أو متحدث باسمه، هل ننتظر لنعيش حياة طبيعية مثل الآخرين، الدين عزيز وله قيمة كبرى، ولكن لماذا الوصاية على كل شيء باسمه، نحن نحتاج في قريتنا إلى المزيد من التسامح في تفسيره، والاختلاف في ما بيننا، حتى الاختلاف على فهم الدين، الدين وتعاليمه ليست محصورة في الإمام وفيما يقوله ويحدث به، ويأمر الناس على فهمه واتباعه، الدين أكبر من قريتنا وإمامنا، إنه للكون للعالم، لماذا يحصرونه ويحاصرونه ويشوهونه؟".


اخذ نفسا عميقا قبل ان يضيف:"كلنا نبحث عن اللحظة المناسبة منذ زمن، قد يكون الانتظار طال بعض الوقت، لكن اللحظة قادمة، لحظة التجديد والاشتراك مع القرى الأخرى في قواسم الحب والاحترام والتفاهم، ليس لأننا نريدها فقط، بل لأننا نستحقها، ونحتاجها كثيرا جدا، لنتجاوز هذا الخوف من المستقبل، من الغد، حتى أصبح الغد احتمال آخر غير مرئي بالنسبة لنا".

رد صارم :-"لكن قريتنا لها تاريخ متناقض ورافض في أحيان كثيرة لكل ما هو قادم من الخارج، بالرغم من الفقر، وقلة العلم بما يقدمه الإنسان في هذا إلى كل قرى العالم، إلى البشرية لتسهيل حياتهم ولتطوير وسائلهم وأدواتهم، نحن لا نضيف إلا القليل مما وهبته لنا الأرض".


علق الشيخ على الفور: "لكنه رفض غير مقبول، وفي أحيان كثيرة يتم التراجع عنه والاعتراف بواقع جديد أو قوة وسيلة جديدة، لا يمكن للبشر تجاهلها".

- "لكن هذا الرفض هو ما يظهر هذه العقلية العاجزة عن الانطلاق والانفتاح على ما هو خارج حدود القرية، التي لا يتوفر بها إلا القليل من العلم والناس والحياة".

قال الشيخ "لعلك أكثر قسوة، أو أكثر صرامة".ابتسم صارم وأضاف:"لا تزال القرية تنمو وتتوسع، لا تزال تخطو باتجاه عالم قدر لها أن تبقى منفصلة عنه لقرون، لقد مر وقت من العزلة، وقت بلا تاريخ وبلا ملامح، وبلا تدوين، هنالك فراغ قاسي في بعض تاريخنا لا يدركه كثيرون، لا تدرك فترات طويلة غائبة منه، لكن القرية تحاول، الناس يحاولون الالتحاق بالعالم، حتى وإن كانت هذه المحاولات مترددة أو بطيئة أو غير مكتملة بعد".

- "نعم، لكن لا احد ينتظر، العالم لا ينتظر هذا العبث بالوقت والتاريخ وحياة أجيال قادمة"."إنك تعود إلى عنفوانك في الرؤية، في تتبع الواقع"!.

- "ليس عنفواني يا شيخنا، لكن أليست هذه القرية تنظر إلى كل شيء بعين الريبة؟، بما فيها لبسك لعقال يتوسد شماغك العربي الأبيض، بالرغم من اختيارك للون أبيض ناصع، هو لون عقالك كما لون قلبك الطاهر"."..كيف لنا أن نفترض ونواجه الناس بمتصوراتهم، ونقول هذا مقبول لكم، وهذا غير مقبول؟" عقب الشيخ.


- "لكن المشكل هنا ليس في التعبير، المشكل في إضافات جرعات وعي، في لغة الرفض التي قد تتبنى العنف وتختلق التشريع، نحن أمام مشكلة تاريخية لهذه القرية، أزمة فكر، وأزمة قبول للتنوع، كل التنوع الثقافي والاجتماعي، وحتى تنوع الفتوى ذاتها، فتوى الإمام هي الوحيدة المتاحة، والمفترض اتباعها، ومنهج الاستاذ هو المنهج الخالص في التعليم والتربية لكل أبناء القرية، مما يجعل حتى هذا النوع من الحوار نوعا من العبث؟".


قال الشيخ "لا توجد مشكلة دائمة، المشاكل مؤقتة، قد تنفجر وتحدث بعض الأضرار، أو تندثر مع الوقت وتتلاشى وتتحول إلى النسيان".- "قد تنفجر في وجوهنا قد نغيب، نتلاشى، ويفترسنا شيء لم ندرك وجوده، ان كنا نمارس الرفض والنكران لكل ما لا نعرف، أليست هذه أكبر مصائب الجهل والطيبة؟، هناك شيء يتربص بنا، لكننا لا ندرك، نختبر الوقت ونسمح له بالسيطرة علينا، ونمنحه كل القوة لعلاج الأشياء والاحتفاء بنا، وقتلنا دون أن نشعر. نعتقد أنه يداوينا، لكنه في الحقيقة لا يفعل، انه يسرقنا دون أن نشعر، يلهينا بأشياء أخرى، يفترس أرواحنا، إننا مصابون بداء الوقت، والانتظار، الانتظار لقادم لن يأتي أبدا، إن لم نتحرك باتجاهه، من هنا تولد سلبيتنا، بلادتنا، ويبدأ موتنا يسير خطوات تتسارع باتجاهنا، يختنقنا، يبقينا في مساحاتنا الضيقة حتى العفن" رد الصارم بكلمات تمزقه أو يمزقها.


"إنه الإنسان يابني، ليس معقد ولا سهل".قال الشيخ وملامح وجهه توحي بشيء ثقيل جدا من إرهاق الزمن.-"لكن الإنسان كائن متغير، هذا ما يجعله مختلف عن كل المخلوقات الأخرى التي نتمادى في إهمالها، ونعاقب أنفسنا بإهمالنا لأرواحنا، لنقترب من اللا إنسان حيث لاشيء يحركنا، أو يدعونا للتفكير والبحث" قال صارم.


"ليست التجربة مجرد حادثة عابرة".

- "إنها الحياة، الحياة بكل لحظاتها، بكل ما نلحظه وما قد نلحظه بعد فوات اللحظة.إنه الحدث الذي تلتقطه ذاكرتنا لتعيد ترتيبه أو تعيد فهمه بأكثر من صورة وأكثر من شك، هي تلك الجمل التي تخترق مسامعنا لكننا نكفر عنها بتجاهل مؤلم.مؤلم حين نعيد سماعها مجددا وكأنها قادمة من حياة أخرى"."قدرة الإنسان الفذة ليست في النسيان، لكنها في القدرة على التجاهل، تجاهل مالا يريد أن يسمع، أو يرى، أو يفهم، قدرته على ممارسة الجهل، حتى في تصوراته، لا بل حتى في حياته، في كل ما يتعلق به، بمسيرته في هذه الحياة".

ليست هناك تعليقات: