الجمعة، 15 مايو 2009

...ورؤؤسها كالشياطين...!


...و رؤوسها كرؤوس الشياطين....

مقتطفات من " قرية الزيت".
أكثر الروايات الاسطورية، والتي يفضل أهل قريتنا ذكرها وتكرارها، كنوع من القصص الفذة والمتفردة، والتي لا تحدث إلا في قريتنا، وتمنحها جزء من قيمتها الأسطورية الخالدة والأبدية، وترددها الأجيال كما هو حال الأساطير التي يتعهد البشر بتناقلها على مر الزمن والتاريخ إيمانا وتصديقا لتفاصيلها الخارقة للخرافة ذاتها.تقول الرواية:


إن هذه الصخور المتحجرة اللينة، السائلة أطرافها بقايا لنباتات شيطانية، وأن هذه التكوينات التي تحمل الزيت في أحشائها هي فعل شيطاني أو أنها بقايا أعضاء لشياطين وبشر وحيونات لقت مصرعهم في حروب عظيمة قبل آلاف السنين، حولها القدر سخطا وغضبا إلى نباتات شيطانية، سجنها ومقرها ومستودعها هو باطن الأرض وجوفها المظلم.ويؤكد أصحاب هذه الرواية بحزم مطلق أن ما وجده السكان الأصليين ما هو إلا فعل سحر أصاب القرية،

في سنة طلت عجوز مريبة على القرية، قادمة من مكان مجهول.عرفت فيما بعد بسنة الساحرة- حيث يحدث أن تسمى سنوات وتعرف بظاهرة طبيعية أو حدث حربي بسبب قلة الأحداث الدائرة في تلك القرية، كسنة الغبار والقحط والمطر وسنة الطاعون، أو الحرب الأولى والثانية، لتصبح هذه التسميات فيما بعد علامات زمنية فارقة يتذكر بها أعمار الأشخاص والأماكن وتسلسل السنوات والأحداث الأقل شأنا.


و تروي الأسطورة هذا الحدث الممهور باسم سنة الساحرة وفعلها، أن عجوزا طاعنة في السن، أو طعنتها سنوات عمرها الثمانين، طعنات متتالية بعدد خصلات شعرها المختلط بين اللون الأبيض الغالب والرمادي النادر، قد مرت بالقرية قبل سنوات، لكن قواها تعبت وصحتها تردت، لتبقى لأيام ضيفا على القرية.


وفي الرواية التي يتناقلها الناس إلى اليوم، أن تلك العجوز لم تكن عادية، أشباهها وتجاعيدها المرسومة بعناية ولون عيناها وبشرتها، كما لا تدلّ شخصيتها الأسطورية المرسومة على أنها مجرد ضيف عابر مر دون قصد على هذه القرية، فقد كانت تأتي بأعمال غريبة، كما يروى أنها تختفي لساعات وساعات قبيل غروب الشمس لا أحد يمكن أن يراها أو يعرف مكانها أو مستقرها, ولا تعود إلا في ساعة متأخرة من الليل، وأحيانا يمتد غيابها إلى وقت مولد الشمس وشروقها.لم يكن أحد يعلم بالتحديد ما كانت تفعله هذه العجوز المسنة والمريضة، لكن اللغط بدا يظهر، وبدا أهل القرية يتسامرون ويتحدثون عن قصص عجيبة وغريبة حول هذه العجوز الغريبة الأطوار والهيئة.ولأسابيع،


وفي رواية لأشهر لم يكن أحد يعرف بالتحديد ما تفعل، الشيء الأكيد أنها كانت تقابلهم بعد غيابها المشبوه وهي في هيئة مرهقة ومتعبة ومنهكة وتتمتم بتعاويذ وكلمات عجيبة لم يسمعوها من قبل، ولم تخطر على بال أبناء القرية. كما بدأت تظهر منها رائحة غريبة ولزجة دبقة، يشمّها كل بيوت القرية وسكانها وما تمر به في طريقها، وتبقى الرائحة في الأفق لليوم التالي.


المطوع، الذي يجيد العلاج بالقرآن والأذكار لكل الأمراض، يتم استدعاءه يوميا للقراءة عليها، وحين يبدأ، تُردد أصواتاً عجيبة، وتصرخ بلاتوقف، يسمعها كل السكان، وقد يصل صراخها إلى القرى المجاورة والأودية السحيقة القريبة، ثم تنام في سلام، هكذا تقول إحدى الروايات،

إلا أن رواية أخرى تقول إنه وبعد أن يبدأ المطوع في ترتيله تصرخ صرخة أو صرختين وثلاث صرخات يسمعها كل سكان القرية، قبل أن تستسلم لنوم، نوم قد يستمر ليوم كامل، لا يعرف أحيانا إن كانت لا تزال على قيد الحياة..في صباح يوم غير متوقع، عرف سكان القرية أن العجوز غادرت، فقد لملمت ملابسها الرثة وغادرت، انتظرها الجميع حتى منتصف النهار لكنها لم تظهر، ثم مر وقت ولم تظهر، أدركوا أنها ذهبت إلى مكان ما، وقال آخرين إن كائنات حية غريبة وعملاقة أخذتها،

لا أحد يعرف تحديدا كيف اختفت، وكيف تقدر على السير أو الذهاب بعيدا، لكن في أعماقهم كانوا مدركين أن قواها الخارقة قادرة على نقلها مئات الكيلو مترات دون أن تخطوا خطوة واحدة.

فرائحتها النتنة واللزجة لازالت باقية، ويروى أن القرية ظلت تتحسس وجود تلك الرائحة لأيام وقيل لأسابيع.إلا أن إحساس عام ترسخ للجميع أن شيء ما يحدث في أجواء القرية الملوثة والغائمة، شيء أقرب إلى الوجوم، إلى الخيالات الغير مريحة.

مع خوف قابع ومجهول، يكفي أنه مجهول، في توقيته وزمنه، أو حتى خيالات حدوثه.هكذا اتفق الجميع، وهم في لحظة انتظار مجهولة لغائب مجهول، لا يعرف وقت ظهوره أو اختفائه، واحتمالات عودته.

فالرياح التى شهدتها القرية في الأيام الثلاثة التالية لاختفاء العجوز لم تكن عادية أبدا، فضوء القمر ظل محتجب خلف غبار معلق بين السماء والأرض في منتصف الشهر الهجري، في حادثة لم تكن عادية.


كان مشهد رهيب ومخيف لظاهرة لم يسبق أن مرت بها القرية في تاريخها.الخوف والتوجس بلغ ذروته في اليوم الرابع - حين ظهرت في الأطراف نباتات غريبة في هيئتها وحركتها، اعتقد البعض وأشاعوا أنها شيطانية، نباتات لم يسبق لأحد أن شاهد ما يشبهها، كان لها عروق وامتداد راسخ في باطن الأرض، ممتدة بلا بداية أو نهاية، بين السماء وباطن الأرض، ولزمن ليس بالقصير حذر الجميع من الاقتراب منها، ومن أن تصيبهم لعنة تلك العجوز الشمطاء.

ولعنة الشياطين. ورتلت التعاويذ في كل أنحاء القرية حماية من شر مستطير أو سوء مرتقب.

في اليوم الخامس حل سلام وهدوء مفاجئ على القرية، حيث عاد كل شيء إلى مكانه وانقشعت الغمة عن الأمة، وتلاشى الغبار، وشعر الناس بالطمأنينة، يبدو أن صلواتهم وتعاويذهم وأورادهم قد سمعت واستجيب لها.


لكن بقيت تلك النباتات المجهولة الهوية والرائحة والملمس ملقاة على الأرض بأشكال دائرية يتسع محيطها باستمرار وتقذف قطرات سائلة ولزجة في محيطها، بشكل مثير للريبة، لذا اقترح أحدهم أن يبنى سورا حول تلك النباتات حتى لا يصل إليها الأطفال، وضمانا لمنع تمددها ووصولها إلى داخل القرية، فيما اقترح آخر أن يتم حرقها،


لكن ولسبب غامض لم يتطوع أحد للتنفيذ.

لتبقى أشبه بلعنة تخيف القرية، وتجلب لها العداوات والأقدار السيئة، والمستقبل المشؤوم.

فرؤوسها كرؤوس الشياطين.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

آووه ،

يبدو أنني أول الزآئرين هنآ ~

مرحبآ بك ،

- في شوق للروآيه ،

- كيف يمكن الحصول عليها ؟

غير معرف يقول...

جميل جدا هذا الوهج
وهذه اللغة

بانتظار القادم


دعوات الا تنقطع بالتوفيق

زيد،،